فصل: الخبر عن منازلة السلطان أبي يوسف حضرة مراكش دار الخلافة وعنصر الدولة وما كان أثر ذلك من نزوع أبي دبوس إليه وكيف نصبه للأمر وكان مهلك المرتضى على يده ثم انتقض عليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن منازلة السلطان أبي يوسف حضرة مراكش دار الخلافة وعنصر الدولة وما كان أثر ذلك من نزوع أبي دبوس إليه وكيف نصبه للأمر وكان مهلك المرتضى على يده ثم انتقض عليه:

لما فرغ السلطان من شأن الخوارج عليه من عشيره استجمع لمنازلة المرتضى والموحدين في دارهم ورأى أنه أوهن لدولتهم وأقوى لأمره عليهم وبعث قومه واحتشد أهل ممالكه واستكمل تعبيته وسار حتى انتهى إلى ايكليز واعتزم على ذلك سنة ستين وستمائة وشارف دار الخلافة ثم نزل بقعرها وأخذ بمخنقها وعقد المرتضى لحربهم للسيد أبي العلاء إدريس المكنى بأبي دبوس ابن السيد أبي عبد الله ابن السيد أبي حفص بن عبد المؤمن فعبى كتائبه ورتب مصافه وبرز لمدافعتهم ظاهر الحضرة فكانت بينهم حروب بعد العهد بمثلها استشهد فيها الأمير عبد الله بن يعقوب بن عبد الحق وكانوا يسمونه برطانتهم المعجوب ففت مهلكه في عضدهم وارتحلوا عنها إلى أعمالهم واعترضهم عساكر الموحدين بوادي أم الربيع وعليهم يحيى بن عبد الله بن وانودين فاقتتلوا في بطن الوادي وانهزمت عساكر الموحدين وكان في مسيل الوادي كدي تحسر عنها غمر الماء تبدو كأنها أرجل فسميت الواقعة بها أم الرجلين ثم سعى سماسرة الفتن عند الخليفة المرتضى في ابن عمه وقائد حربه السيد أبي دبوس بطلبه الأمر لنفسه وشعر بالسعاية فخش بادرة المرتضى ولحق بالسلطان أبي يوسف مدخله إلى فاس من منازلته آخر سنة إحدى وستين وستمائة نازعا إليه فأقام عنده مليا ثم سأل منه الإعانة على أمره بعسكر يمده وآلة يتخذها لملكه ومال يصرفه في ضروراته على أن يشركه في القسمة والفتح والسلطان فأمده بخمسة آلاف من بني مرين وبالكفاية من المال والمستجاد من الآلة وأهاب له بالعرب والقبائل من أهل مملكته ومن سواهم أن يكونوا يدا معه وسار في الكتائب حتى شارف الحضرة ودس إلى أشياعه ومن يداخله من الموحدين في أمره فثاروا بالمرتضى وأخفضوه عنها فلحق بأزمور مستجيشا بصهره ابن عطوش ودخل أبو دبوس الحضرة في المحرم فاتح خمس وستين وستمائة وتقبض ابن عطوش عامل أزمور على المرتضى واقتاده أسيرا إلى أبي دبوس فبعث مولاه مزاحما فاحتز رأسه في طريقه واستقل بالخلافة صبابه آل عبد المؤمن ثم بعث إليه السطان في الوفاء بالمشارطة فاستنكف وعثا ونقض العهد وأساء الخطاب فنهض إليه في جموع بني مرين وعساكر المغرب فخام عن اللقاء وانحجز بمراكش ونازله السلطان أياما تباعا ثم سار في الجهات والنواحي يحطم الزرع وينسف الأقوات وعجز أبو دبوس عن دفاعه فاستجاش عليه بيغمراسن بن زيان ليفت فى عضده ويشغله عما وراءه ويأخذ بحجزته عن التهامه على ما نذكر لو أمهلته الأيام وانفسح له الأجل.

.الخبر عن وقيعة تلاغ بين السلطان يعقوب بن عبد الحق ويغمراسن بن زيان بإغراء أبي دبوس وتضريبه:

لما نازل السلطان أبو يوسف حضرة مراكش وقعد على ترائبه للتوثب علما لم يجد أبو دبوس وليجة من دون قصده إلا استجاشته بيغمراسن وقومه عليه ليأخذوا بحجزته عنه ويشغلوه من ورائه فبعث إليه الصريخ في كشف بلواه ومدافعة عدوه وأكد العهد وأسنى الهدية فشمر يغمراسن لاستنقاذه وجذب عدوه من ورائه وشن الغارات عل ثغور المغرب وأضرم نارا فأهاج عليه وعلى قومه من السلطان يعقوب ليثا عاديا وأرهف منه عزما ماضيا وأفرج يعقوب على مراكش بعزم النهوض إلى تلمسان ونزل بفاس فتلوم بها أياما حتى أخذ أهبة الحرب وأكمل استعدادها ورحل فاتح ست وستين وستمائة وسلك على كرسيف ثم على تافرطا وتزاحف الفريقان بوادي تلاغ وعبى كل منهم كتائبه ورتب مصافه وبرز النساء سافرات الوجوه على سبيل التحريض لحسن وسعد بن وبرغين ولما فاء الفيىء ومال النهار وكثرت حشود المغرب وجموع بني عبد الواد ومن إليهم انكشفوا ومنحوا العدو أكتافهم وهلك أبو حفص عمر كبير ولد يغراسن وولى عهده في جماعة من عشيرة ذكرناهم في أخباره وأخذ يغمراسن بأعقاب قومه فكان لهم ردءا إلى أن خلصوا من المعترك ووصلوا إلى بلادهم في جمادى من سنتهم وعاد السلطان أبو يوسف إلى مكانه من حصار مراكش والله أعلم.

.الخبر عن السفارة والمهاداة التي وقعت بين السلطان يعقوب ابن عبد الحق وبين المستنصر الخليفة بتونس لن آل أبي حفص:

كان الأمير أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص منذ دعا لنفسه بتونس سنة خمس وعشرين وستمائة طموحا إلى ملك مراكش مقر الدعوة ومنبعث الدولة وأصل الخلافة وكان يؤمل لذلك زناتة وإلا فمادونه من خضد شوكة آل عبد المؤمن وتقليم أظافر بأسهم وردهم على أعقابهم أن يخلصوا إليه وتغلب على تلمسان سنة أربعين وستمائة ودخل يغمراسن بن زيان في دعوته وصار فيئة له وتبعه على عدوه كما ذكرناه فوصل به جناحة للمدافعة وناغاه بنو مرين في مراسلة ابن أبي فحص ومخاطبة والتخفيض عليه فيما يهمه من شأن عدوه وحمل ما يفتحون من بلاد المغرب على البيعة له والطاعة مثل: فاس ومكناسة والقصر وكان هويلاطفهم بالتحف والهدايا ويريهم البر في الكتاب والخطاب والمعاملة والتكريم للوفد غير سبيل آل عبد المؤمن فكانوا يجنحون بذلك إلى مراسلته وإيفاد قرابتهم عليه.
وولي ابنه المستنصر بعده سنة سبع وأربعين وستمائة فتقبل مذاهب أبيه وأوفي عليه بالإيعاز إليهم بمنازلة مراكش وضمان الانفاق عليهم فيها فكان يبث لذلك أحمالا من المال والسلاح وأعدادا وافرة من الخيل بمراكبا للحملان ولم يزل ذلك دأب معهم ولما فعل أبو دبوس فعلته في نقض العهد واستجمع السلطان لمنازلته قدم بين يدي عمله مراسلة الخليفة المستنصر يخبره الخبر ويتلطف له في استنزال المدد فأوفد عليه ابن أخيه عامر بن إدريس بن عبد الحق وأصحبه عبد الله بن كندوز لعبد الواد كبير بني كمي وقريغ يغمراسن الذي ثأر يغمراسن من أبيه كندوز بأبيه زيان كما ذكرناه في أخبارهم وكان خلص إليه من حضرة المستنصر فلقاه مبرة وتكريما وأوفد معهم الكاتب أبا عبد الله محمد الكناني من صنائع دولة آل عبد المؤمن كان نزع إلى أخيه الأمير أبي يحيى لما رأى من اختلال الدولة وأنزله مكناسة وآثره بالصحبة والخلة فجمع له يعقوب بن عبد الحق في هذا الوفد من الأشراف من يحسن الرياسة ويعرب عما في ضمائر الناس ويدله على شرف مرسله فوفدوا على المستنصر سنة خمس وستين وستمائة وأدوا رسالتهم وحركوا له جوار المظاهرة على صاحب مراكش وكبح عنانه فحن واهتز سرورا من أعواده ولقاهم مبرة التكريم وإحسان النزل ورد الأمير عامر بن إدريس وعبد الله بن كندوز لوقتهما وتمسك بالكناني من بينهم لمصاحبة وفده فطال مقامه عنده إلى أن كان من فتح مراكش ما نذكره.
ثم أوفد المستنصر على السلطان يعقوب بن عبد الحق آخر سنة تسع وستين وستمائة بعدها شيخ الجماعة من الموحدين لعهده أبا زكريا يحيى بن صالح الهنتاني مع جماعة من مشيخة الموحدين في مرافقة محمد الكناني وبعث معهم إلى السلطان هدية سنية يلاطفه بها ويتاحفه انتخب فيها من الجياد والسلاح وأصناف الثياب الغريبة العمل ما انتقاه ووفق رضاه وهمته على الاستكثار منه فحسن موقعها وتحدث وانقلب وفده أحسن منقلب بعد أن تلطف محمد الكناني في ذكر الخليفة المستنصر على منبر مراكش فتم له وشهد له وفد الموحدين فعظم سرورهم وانقلبوا محبورين مسرورين واتصلت بعد ذلك مهاداة المستنصر ليعقوب بن عبد الحق إلى أن هلك وحذا ابنه الواثق من بعده على سننه فبعث الله سنة سبع وسبعين وستمائة هدية حافلة بعث بها القاضي أبا العباس الغماري قاضي بجاية فعظم موقعها وكان لأبي العباس الغماري بالمغرب ذكر تحدث به الناس والله أعلم.